المقدّمة
`و فيها مباحث:
1- موضوع المقصد الثالث
من التمهيد المتقدّم في بيان المقصود من «مباحث الحجّة» يتبيّن لنا أنّ الموضوع لهذا المقصد الّذي يُبحث فيه عن لواحق ذلك الموضوع و محمولاته هو: «كلّ شيءٍ يصلح أن يُدّعى ثبوت الحكم الشرعي به، ليكون دليلًا و حجّة عليه». فإن استطعنا في هذا المقصد أن نثبت بدليل قطعي «1» أنّ هذا الطريق الكذائي «2» حجّة أخذنا به و رجعنا إليه لإثبات الأحكام الشرعيّة، و إلّا طرحناه و نبذناه «3» و بصريح العبارة نقول:
إنّ الموضوع لهذا المقصد في الحقيقة هو «ذات الدليل» بما هو في نفسه، لا بما هو دليل. و أمّا محمولاته و لواحقه- الّتي نفحصها و نبحث عنها لإثباتها له- فهي كون ذلك الشيء دليلًا و حجّة، فإمّا أن نُثبت ذلك أو ننفيه.
و لا يصحّ أن نجعل موضوعه «الدليل بما هو دليل» أو «الحجّة بما هي حجّة» أي بصفة كونه دليلًا و حجّة، كما نُسب ذلك إلى المحقّق القمّي- أعلى اللَّه مقامه- في قوانينه «1» إذ جعل موضوعَ أصل علم الاصول «الأدلّة الأربعة بما هي أدلّة».
و لو كان الأمر كما ذهب إليه رحمه الله لوجب أن تخرج مسائل هذا المقصد كلّها عن علم الاصول، لأنّها تكون حينئذٍ من مبادئه التصوّريّة، لا من مسائله. و ذلك واضح، لأنّ البحث عن حجّية الدليل يكون بحثاً عن أصل وجود الموضوع و ثبوته الّذي هو مفاد «كان التامّة» لا بحثاً عن لواحق الموضوع الّذي هو مفاد «كان الناقصة». و المعروف عند أهل الفنّ أنّ البحث عن وجود الموضوع- أيّ موضوعٍ كان سواء كان موضوع العلم أو موضوع أحد أبوابه و مسائله- معدود من مبادئ العلم التصوّرية، لا من مسائله.